تقدير خاص للمناضل العَزُوم، لمن أراه الحظ الدنيوي وجهه الحسن ثم أداره ظهره، لمن كان ذو منصب جيد ثم أزيح عنه و ما زال يعمل بجد و اجتهاد الموقن بأهمية العمل و الإنجاز مهما كانت الظروف المصاحبة، لمن يقاوم نفسه و ما تدفعه إليه من استسلام و ابتعاد عن الساحة، لمن لا يعير بالا لما يجول في عقول أقرانه إن عَلو و إن دَنو، للواثق من نفسه العارف بماهية دوره في هذه الحياة.
تنهال التبريكات على خلفه، و يتدافع التُبَع لسيدهم الجديد، و كأنهم أطفالا تكالبوا على أمهم بعد فراق أيام. و ترتسم صورة على محيا صاحبنا تعكس مدى تصالحه مع واقعه الجديد، و إيمانه الراسخ. إيمانه بأن كرسيه لم يكن إلا واحدً من عشرات و مئات الكراسي، في منظمة هي واحدة من مئات و الاف المنظمات و الهيئات و المؤسسات، و في بقعة صغيرة من العالم، و لمحة خاطفة من الزمن. تواترت أسباب التوفيق من الله عزل و جل و أفضت إلى وجوده هناك. و قد يوفقه الرب ليعود مكانه أو لمنزلة دنيوية أعلى.
حياته المستقرة، حصوله على تعليم جيد، كونه رجلاً مناسباً للمرحلة ساعة تكليفه بمنصبه، علاقاته الجيدة مع من حوله، صورته الجيدة المرسومة لدى رؤساؤه، نجاحه في المنافسة مع أقرانه، كل هذه الأسباب كانت بتوفيق الله.
اقتناعه بأن من هيأ له ذلك، أمره بالعمل و خدمة الناس و نفعهم، يجعله دائم الحركة، لا يكل و لا يمل، يطور من نفسه و مهاراته، و كأنه تناول إكسير العمل. لا يهزه كلام الكارهين و لا نظرات الشامتين و لا حتى تجاهل المنتفعين.
إيمانه بأن الوجاهة المجتمعية هي إحدى متع الإنسان و ليست تعريفا له. تلك المتعة قام بوضعها في قالبها المناسب، و لم تستحوذ عليه و تجعله يزيد في قدرها. و معرفته بأنه يمضي عليها ما هو ماضٍ على غيرها من النعم و المتع. و أن مكانه أياً كان في السلم التراتبي لتلك الوجاهة، ليس انعكاسا لشخصه و روحه.
فهمه الصائب لدوره الذي يقوم فيه، بدءاً من النية الحسنة، مروراً بخدمة الناس و تطوير مرؤوسيه و الحفاظ على أموال المسلمين، و انتهاء بالمعنى الحقيقي للإنسان و هو امتثال أوامر الله و ترك الأثر الطيب على هذه الأرض، يرجع لوعيه العميق برحلة الحياة، و ما ينتظر الإنسان بعد مماته، و أن الله سيحاسبه بحسب ظروفه و مسؤولياته و موقعه، فالكل له نصيب من هذه الدنيا قل أو كثر، و من عدل الخالق أن لا يحملنا ما لا طاقة لنا به، و أن اختلاف البشر و مستوياتهم و أرزاقهم يعني اختلاف المعايير التي سيحاسبون عليها، و لكن تظل المبادئ الإسلامية و فضائل الأخلاق أساساً يقيم عليه الإنسان فصول رحلته.